عندما يتعود اللسان على الكذب يفلت من يد صاحبه ويصبح من الصعب بل من المستحيل استرداده والتحكم به. وهذا ما يفسّر أن بعض الناس يكذبون بالرغم من طيبتهم لأن الكذب أصبح عادة مستحكمة في طبعهم.هناك من يكذبون لا كرهاً للصدق بل محبة بالكذب! الكذاب ينسى ذاكرته ومن يعتبر ذاكرته غير دقيقة ينبغي ألا يمتهن الكذب. الكذب ينمو في كل تربة ويثمر في كل مناخ. ما من رباط قوي يربطنا ببعضنا البعض ككلامنا.ولوعرفنا تداعيات الكذب وعواقبه الوخيمة لحاربناه بالسيف والنار أكثر من أية جريمة أخرى. يجب عدم تعقب الكذب في محاولة للإمساك به بل ينبغي تركه وشأن وعاجلاً أم آجلا سيصل إلى طريق مسدود فتنفد قواه ويفقد ما بجعبته من أضاليل. وليكن معلوماًأن الكذبة البيضاء هي مقدمة لكذبة كالحة دكناء. الكذب يشبه محاولة التخفي في الضباب الكثيف. وإن حاول الكذاب التنقل هناوهناك يعرّض رأسه للارتطام بالحقيقة الصلبة. وعلى أية حال ما أن يتلاشى الضباب حتى يظهر الكذاب. محترفو الكذب يبتدعون (خرطات) طويلة عريضة ليس بالضرورة لإحراز مكاسب معينة أو لمخادعة المتحدثين إليهم بل لأنهم تعودواعلى الكذب فاستسهلوه ولأن قول الصدق بالنسبة لهم أصبح أمراً صعباً يلزمه مجهود ليسوا مستعدين لبذله. من يخشى التلفظ بالكذب لا يخيفه شيء في الحياة الحقيقة في تطابق وتناغم دائم مع ذاتها، ولا تحتاج لمن يعضدها فهي فطريةغيرمصطنعة وهي قوة لاتـُقهرمثلما هي قريبة منا طوال الوقت وعلى أتم الاستعداد لتحريك شفاهنا فلا نتلفظ إلا بها. أما الكذب (الذي يعتبره البعض ملح الرجال) فهو صناعة مفبركة رديئة النوعية وموضوعة على الرفوف بانتظارالإعلان والتزويق والتسويق. إن كذبة واحدة يلزمها كذبات كثيرة للتستر عليها. وهي تشبه البناءالمشيد على أساس مقلقل فهو يحتاج دوما إلى دعامات ومساند خوفاً عليه من التهاوي والإنهيار. وبالتالي تكون تكاليف صيانته وإسناده أكبر بكثير مما لوتم تشييده أصلا على أساس صحيح وسليم. الكذبة المتعمدة هي كسيحة لا تقوى على النهوض والوقوف بمفردها بل تحتاج إلى كذبات أخرى كي تتوكأ عليها. ولذلك من السهل أن يكذب الإنسان إنما من الصعب أن يكذب كذبة واحدة فقط لا غير.عندما تتغلغل كذبة بين الناس يصبح من الصعب استئصال شروشها وشرورها. فقدتخبطها على رأسها حتى تظن أنها على وشك أن تلفظ نفسَها الأخير وإذا بها تطل برأسها في اليوم التالي وتبدو قوية ومتعافية أكثر مما كانت عليه من قبل لا يوجد في العالم أندر من كذبة منعزلة لأن الكذب يتناسل كالضفادع. وماأن يتم إطلاق كذبة واحدة حتى تعود ووراءها شلة كبيرة من الكذب والحبل على الجرار.الكذبة الكبيرة تشبه سمكة كبيرة على اليابسة فقد تنتفض وتنط وتتحرك بسرعة في محاولة منها لترويع من حولهالكن إن لزمتَ الهدوء فستكف السمكةالمحتضرة تدريجيا عن الحركة وبالتالي ستصبح جثة هامدة.قال أحد الحكماء لتلميذه: يا بني ليكن الكذب غريبا على شفتيك ولا تسمح له أن يحجب شفافيتك. ولا تدع لسانك يرضى عن الصدق بديلا لأن الكذب يدنس اللسان ويخزي الإنسان.ولتعلم ياأخى وياأختى زادكم الله علما أن الكذابين لا يتصارعون مع الحق والحقيقة فحسب بل مع بعضهم البعض أيضاوأن الغرامةالمفروضة على الكذاب هي ابتداع المزيد من الكذب لتغطية كذبه المفضوح أصلا فكن صادقاً مستقيماًفي كل ما تقوله وتفعله لأن أقرب مسافة بين نقطتين هي الخط المستقيم.قالى الله عزوجل: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)النحل: 116-فقد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن والرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) رواه البخاري ومسلم .وثبت في الحديث الصحيح أيضاً عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) رواه البخاري مسلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق